النهاردة هنتكلم عن الأسطورة الشهيرة وراء تأسيس الإمبراطورية الرومانية وقصة الأخوين روميُلوس وريموس Romulus and Remus...

نبدأ القصة من عند أسكانيوس Ascanius ابن البطل الطروادي الشهير إينياس Aeneas (بطل ملحمة الإنياذة The Aeneid للشاعر الروماني فيرجل Virgil)...
أسكانيوس كان المسؤول عن تأسيس مدينة ألبا لونجا Alba Longa القديمة اللي يُقال إنها كانت موجودة فيما نطلق عليه الأراضي الإيطالية دلوقتي. ألبا لونجا أصبحت مملكة قوية وتوالى عليها الملوك بعد أسكانيوس لأجيال عديدة لحد ما هنيجي عند الملك نوميتور Numitor وهنحتاج نقف شوية..
الملك نوميتور كان ليه أخ أصغر منه اسمه أموليوس Amulius طمعان في كرسي الحكم بتاع أخوه، وكعادة كل الأساطير، أموليوس شقلط أخوه الكبير وحكم ألبا لونجا لوحده. وعلشان يضمن استمراريته في الحكم من غير منغصات، أموليوس قتل أولاد نوميتور الذكور كلهم
وأرسل ابنته الوحيدة الأميرة الجميلة ريا سيلفيا Rhea Silvia لتكون راهبة في معبد الربّة فيستا Vesta، وكان معروف وقتها أن راهبات فيستا لازم يحافظوا على عذريتهم وبيفضلوا يخدموا في المعبد ماحدش يشوفهم، وبكده أموليوس بيضمن أن بنت أخوه كمان مش هتجيب أطفال لما يكبروا ممكن يطالبوه بالحكم.
المهم في يوم وريا سيلفيا بتتمشى حوالين المعبد قابلت رجل وسيم مفتول العضلات فضل يطاردها لحد ما عرفت أن الرجل ده هو إله الحرب مارس Mars. مارس لما شاف ريا سيلفيا ماقدرش يقاوم جمالها واغتصبها
(أو نام معاها برضاها، الموضوع أتحكى بأشكال كتيرة في الروايات المختلفة للأسطورة زي ما هنشوف بعد شوية)، وبعدها بكام شهر طبعًا بطن ريا سيلفيا بقللت ولما الراهبات في المعبد لاحظوا جريمتها أرسلوها للملك علشان تتحاكم.
أموليوس أول ما شاف بنت أخوه والمصيبة اللي عملتها حكم عليها بالقتل فورًا بس قبل تنفيذ الحكم سألها عن الرجل اللي نامت معاه، فريا سيلفيا قالت له بكل صراحة إنه إله الحرب مارس وإن اللي في بطنها ذريته. أموليوس أول ما سمع الكلمتين دول قلبه وقع في رُكبه ولغى الحكم بالقتل،
وده يرجع لأن الرومان كانوا بيحترموا مارس وبيخافوا من غضبه، وأموليوس كملك لو أثار غضب إله الحرب فده معناه أنه هيدخل في حروب وهيشوف أيام سودا. أموليوس قرر يقصر الشر وأمر بحبس ريا سيلفيا لحد ما تولد. وبعد مرور الشهور سريعًا، ريا سيلفيا أنجبت توأمين آيه في الجمال..
أموليوس أول ما عرف بولادة التوأمين أمر جنوده بأنهم يحطوهم في سَبَت ويرموهم في النهر، وبكده يبقى تقنيًا ماقتلهمش وإنما تركهم ليلقوا حتفهم (نبيه جدًا ما شاء الله!)..
فيه روايات أخرى بتقول إنه فعلاً أمر بإلقائهم في النهر علشان يموتوا غرقًا بس الجنود صعب عليهم يقتلوا أطفال رضع فحطوهم في سبت وسابوهم في النهر.
السبت اللي فيه التوأمين فضل ماشي في النهر لحد ما وصل عند ضفة فيها شجرة تين، وهناك سمعت بكاءهم ذئبة (اللي هي أنثى الذئب) فراحت ناحية السبت وشافت الطفلين متشحتفين من العياط والجوع. الذئبة أشفقت عليهم وقعدت تلحس فيهم وأخدتهم لكهفها وأرضعتهم من لبنها.
التوأمان فضلوا شهور في رعاية الذئبة الطيبة دي لحد ما في يوم اكتشفهم راعي وأخدهم من الذئبة ورجع بيهم لمراته اللي برضه أشفقت عليهم وأحبتهم وقررت تربيهم زي أولادها بالظبط. الراعي ومراته اسموا التوأمين روميلوس وريموس.
روميلوس وريموس كبروا في بيت الراعي وزوجته لحد ما بقوا شباب باين عليهم القوة وسمات البطولة. روميلوس كان غالب عليه حُبه للزعامة والقيادة في حين أن ريموس كان مهيطل شوية وبيحب الهزار والأسافين.
في يوم من الأيام روميلوس وريموس دخلوا في خناقة مع جنود ملك ألبا لوجنا في المكان اللي كانوا بيرعوا فيه الماشية (بسبب نزاعات سياسية لها علاقة بحكم أموليوس)، وبسبب الخناقة دي الجنود أخدوا ريموس من قفاه للقصر علشان يتحاكم في حين أن روميلوس قدر يهرب منهم.
وفي القصر، ريموس قابل الملك أموليوس وأخوه المتشقلط نوميتور. نوميتور أول ما شاف ريموس لاحظ الشبه الكبير بينه وبين بنته ريا سيلفيا ولما سأله إيه اللي جابه، ريموس كرّ له قصة حياته من الأول وإزاي أن له أخ توأم وأن ذئبة هي اللي اعتنت بيهم في طفولتهم..
طبعًا أول ما نوميتور سمع الكلام ده أتأكد أن دول أحفاده. ساعتها بقى روميلوس راح عمل واحدة إبراهيم الأبيض ولم العيال من الحارة وهجم على قصر الملك علشان يحرر أخوه المحتجز هناك. المهم روميلوس – بقوته الإلهية طبعًا – قدر يهزم جنود الملك ودخل على أموليوس وقتله.
اختصارًا للأحداث العجائبية دي، روميلوس وريموس قابلوا جدهم وعرفوا أصلهم وأن أبوهم الحقيقي هو إله الحرب مارس وأن مكانهم في القصر كحكام مش رعاة غنم. الغريب بقى أن روميلوس وريموس رفضوا عرض جدهم بأنهم يحكموا مملكة ألبا لونجا وقالوا له لأ أتفضل أنت يا حاج ده مكانك مايصحش،
وقرروا يسيبوا المملكة ويروحوا يعملوا مدينة جديدة من الأول خالص.

روميلوس وريموس اختلفوا على المكان اللي هيبنوا فيه المدينة بتاعتهم والاتنين نشّفوا دماغهم لحد ما قرروا إنهم يدخلوا تحدي يستنوا فيه إشارة من الآلهة بمين الصح فيهم.
التحدي كان أن كل واحد فيهم يقعد على جبل ويراقب حركة الطيور، واللي يشوف طيور جارحة أكتر من التاني يبقى هو اللي الآلهة شايفة أنه صح. روميلوس وريموس كل واحد راح في مكان فعلاً وقعدوا يراقبوا الطيور طول النهار ولما اتقابلوا أخر اليوم،
ريموس قال "أنا شوفت 6 طيور جارحة أول ما الشمس ما طلعت" فراح روميلوس قايل "ها! أنا بقى شوفت 12 من الطيور الجارحة قُرب المغرب كده! يبقى أنا اللي صح وهنبني المدينة في المكان اللي أنا اخترته".. ريموس المقاوح اعترض وقال إنه شاف الطيور الأول وده معناه أن هو اللي كسب مش أخوه.
المهم الاتنين فضلوا يتجادلوا برضه لحد ما كل واحد فيهم قرر يبني المدينة بتاعته. ورميلوس بيبني أسوار مديتنه جيه ريموس المهيطل يغيظ أخوه ويقول له إن السور مش عالي كفاية وإن المكان مش حلو لحد ما روميلوس اتعصب عليه ومسك في زمارة رقبته وقتله..
طبعًا روميلوس بيندم ندم شديد على جريمته الشنعاء دي وبيعيش طول حياته وشبح أخوه المقتول بيؤرقه.

بعد دفنه لأخوه، روميلوس استكمل بناء مدينته وقرر يطلق عليها اسم "روما".
كل الوقت بتاع بناء روما، روميلوس كان بيستقبل المنبوذين والجنود المنشقين عن الممالك المجاورة وبيستعين بيهم وبقوتهم وخبراتهم. المدينة الصغيرة المسماة بروما ابتدت تكبر فعلاً وتستقبل ناس أكتر وأكتر، بس كان فيه مشكلة واحدة: روما مكانش فيها ستات.
روميلوس أدرك إنه علشان يحول روما من معقل للمنبوذين والمرتزقة لمدينة آمنة متكاملة هتستمر لأجيال لازم يبقى فيها ستات وأطفال وعائلات، وطبعًا مفيش حد من الممالك المجاورة هيرضى يبعت بناته للمكان المشبوه ده. وفي يوم، روميلوس جات له فكرة جهنمية وهي أنه يعزم السابيين Sabines
– أهل عشيرة كبيرة مجاورة لروما وقتها – على احتفال ديني مهم، وفعلاً السابيون كلهم راحوا بكل براءة، وهناك هجم عليهم روميلوس وجنوده وخطفوا الستات ورجعوا بيهم على روما، وبعد مقاومة متوقعة منهم روميلوس أجبرهم يتزوجوا ويخلفوا من رجال روما.
زعيم عشيرة السابيين بقى، لما فاق لنفسه أخيرًا الحمد لله، جمع جنوده وراح يهجم على روما علشان ينتقم من روميلوس ويحرر ستات العشيرة. وبعد معركة ضارية، السابيات تدخلوا بين الطرفين وقالوا لهم كفاية هبل بقى احنا كده هندمر المملكتين،
وفعلاً روميلوس وزعيم السابيين عملوا هدنة واتفقوا يحكموا المملكتين مع بعض لحد مع زعيم السابيين مات وأصبح روميلوس هو الحاكم الأوحد. بعدها روميلوس بدأ يتوسع وضم السابيين وألبا لونجا ومدن أخرى لروما حتى أصبحت الإمبراطورية التي سيخلدها التاريخ.
بالنسبة لروميلوس ابن مارس، فيُقال إن عند وصوله العقد السادس من عمره كان بيصطاد وهبت عاصفة قوية وفي وسط العاصفة دي الآلهة رفعته للسماء ليكون واحدًا منهم مقابل تضحياته العظيمة.

توتة توتة؟ لأ ماخلصتش الحدوتة.
طبعًا احنا فاهمين أن اللي حكيناه ده أسطورة ملهوش أي أساس من الصحة ولا له علاقة بتأسيس روما، بس فيه مؤرخين قدامى، زي بلوتارخ Plutarch وغيره، لما دوروا ودعبسوا واكتشفوا روايات عديدة لقوا أن أسطورة روميلوس وريموس، حتى وأن كانت ككل غير حقيقية، فيها جوانب واقعية أكثر قتامة مما حكيناه.
تعالوا كده نرجّع الشريط لورا بسرعة زي ما بيحصل في الأفلام ونحكي القصة من الأول تاني..

في روايات عديدة للقصة، ريا سيلفيا ماحملتش من مارس ولا حاجة. الأميرة بعد ما اتحبست في المعبد وأتفرض عليها حياة الرهبنة والعبودية من قِبل عمها المفتري قررت أنها تقاوم بطريقتها،
فمارست الجنس مع رجل غريب كنوع من التحدي للقيود اللي أتفرضت عليها قهرًا وحملت منه وأدعت أن الرجل ده هو الإله مارس أمام عمها المؤمن بالخزعبلات علشان تحمي نفسها وأطفالها من الهلاك.
الطفلان بيترموا في النهر فعلاً بس اللي بيلاقيهم الراعي.. بينتشلهم من النهر وبيوديهم لزوجته. زوجة الراعي كانت عاهرة وكانت معروفة باسم Lupa والكلمة دي بالاتينية معناها أنثى الذئب بس برضه معناها المرأة متعددة العلاقات الجنسية مع الرجال.
زوجة الراعي بترضع التوأمين وتعتني بيهم لحد ما بيكبروا.
روميلوس وريموس بيكبروا في كنف راعي فقير وأم عاهرة فبتتمكن منهم عقدة النقص وبيألفوا موضوع السَبَت والذئبة علشان ينفوا أي علاقة لهم بالراعي وزوجته..
الغضب بيسيطر على روميلوس وريموس فبينضموا لجمعات من المرتزقة منشقة عن الملك أموليوس لحد ما أتقبض عليهم. وهما داخل القصر قدروا يحيكوا إنقلاب على الملك – اللي كان مكروه بالفعل وكتير داخل القصر مش طايقينه – وقتلوه.
وبعد مع عرفوا أصلهم وفصلهم، روميلوس وريموس رفضوا يكونوا أتباع للملك نوميتور والجلالة أخدتهم وقرروا يأسسوا المدينة بتاعتهم. الخلاف اللي بين روميلوس وريموس حصل فعلاً، وقد يكونوا كذبوا على بعض في موضوع رؤية الطيور ده علشان كل واحد فيهم يضمن سيطرته على التاني.
المهم إن روميلوس، اللي كانت دماغه داهية أكتر من ريموس، شاف أن أخوه هيكون عقبة كبيرة في طريقه لتحقيق المجد المتخيل فقتله بدم بارد.

اللي حصل بعد كده من اختطاف للسابيات وتوسع روما أتفقت عليه كل الروايات مع أن بعضها لمح إلى تخطيط روميلوس لقتل زعيم السابيين علشان يستفرد هو بالحكم.
وفي النهاية، يُقال إن روميلوس في نهاية حياته ماترفعش للسماء ولا أي حاجة وإنما تآمر عليه رجال دولته بسبب سياساته الظالمة وإمعانه في الطغيان، فقتلوه بنفسهم وخفوا جثته وألفوا قصة الرفع للسماء دي علشان يرفعوا عن أنفسهم شبهة القتل.
دلوقتي عندنا قصتين: قصة فيها حمل عذراء بقدرة إلهية، وأطفال رضع في سبت في النهر الأقدار بتنقذهم، وذئبة بتحن على أطفال من البشر وبترضعهم وبتعتني بيهم، وأخ بيندم على قتل أخوه، وواحد بيترفع للسماء (القصص دي مابتفكركوش بحاجة؟)..
وقصة تانية فيها بنت بتمارس الجنس انتقامًا من عمها، وأطفال زنا بيترموا في النهر وبيعتني بيهم راعي فقير وزوجته العاهرة، وأخ بيقتل أخوه بدم بارد علشان يقدر يحقق حلمه، وملك بيموت فطيس نتيجة مؤامرة سياسية تُحاك ضده.
أنهي قصة تحبوا تقولوها لنفسكم ولأولادكم؟ أنهي قصة تنفع أنها تُخلد في الوعي الجمعي الإنساني وتفسر بناء كيان عظيم زي الإمبراطورية الرومانية؟ والسؤال الأهم بقى، لو أنتم روميلوس شخصيًا، أنهي قصة هتفضلوا تعيشوا بيها لبقية حياتكم والناس تعرفكم بيها بعد ما تموتوا؟
الحقيقة أن أكتر حاجة لفتت انتباهي في أسطورة روميلوس وريموس مش تفاصيل الأسطورة نفسها ولكن التفاوت الرهيب بين الروايات زي ما شوفنا كده.. نسخة من الأسطورة مليئة بالمعجزات والتدخل الإلهي والحكم الفوقية، ونسخة مستغرقة في الواقعية والسواد.
وهنلاحظ أن كل شخصية من شخصيات القصة لجأت لاستخدام الخيال وفكرة المعجزة لغرض مختلف.. يعني ريا سيلفيا ألفت تدخل مارس الإلهي في حملها علشان تهرب من بطش عمها، فهنا استخدمت المعجزة كطعم للتحكم في أفعال شخص آخر.
روميلوس وريموس ألفوا موضوع الذئبة اللي أرضعتهم علشان يهربوا من نشأتهم الوضيعة ويعوضوا عقدة النقص اللي حاسين بيها طول الوقت، فهنا استخدموا المعجزة كهروب من مواجهة الواقع أو محاولة تجميله. روميلوس أدعى الندم على قتله لأخوه علشان يعظّم من غايته ويديها أبعاد أسمى.
رجال الدولة في روما بيألفوا قصة رفع روميلوس للسماء علشان يرفعوا الاتهام عن نفسهم، وهنا استخدموا المعجزة للتغطية على جريمة قتل وتغذية وهم العظمة اللي كان عايش فيه أهل روما.
التباين في الروايتين بيوضحوا حاجتنا كبشر للمعجزة وفكرة التدخل الإلهي علشان نقدر نتعامل مع واقعنا.
والسؤال اللي المفروض يشغل بالنا مش هل المعجزات حقيقية ولا لأ إنما ليه احنا محتاجينها؟ هل علشان نهرب من واقع ولا من أنفسنا ولا علشان نعوض ضعف ولا علشان نقدر نتقبل ماضي ما.. وغيرهم أسباب تانية كتير.
الجميل في قصة روميلوس وريموس إنها أسطورة بتعلمنا ضرورة الأسطورة في حياتنا.. بتقول لنا إن لكل منا أسطورة هو عايش فيها وبيها ومصدقها علشان يقدر يكمّل.

دمتم في أساطيركم.

تمت.
You can follow @LaBanshy.
Tip: mention @twtextapp on a Twitter thread with the keyword “unroll” to get a link to it.

Latest Threads Unrolled:

By continuing to use the site, you are consenting to the use of cookies as explained in our Cookie Policy to improve your experience.